بداياتي مع التوحد
لقد ذهبنا إلى الشرق لزيارة عمتي رندا
والعم بيتر , قيل لي أحيانا إن ابن عمتي لديه شيء يدعى التوحد .
لقد كان الجميع متفائلين جدا حول الموضوع
فلم أفكر فيه كثيرا ,لم أفكر قط في أنه مشكلة , لكنه مجرد شئ مثل الوحمة أو الشامة
.
لقد أخذنا السيارة من المطار إلى منزلهم
وعند الباب انحنيت على ريد لأقبله , ولكنه لم ينظر إلي . نظر إلي , ولكن بدا وكأنه
لا يراني ليرى من خلالي وكأنني خفية .
لقد شعرت بالحزن الشديد وأصبت بالرعب
لدرجة أنني بدأت في البكاء , وحاولت مرة أخرى في ذلك اليوم جلست على ركبتي وناديته
باسمه فاستدار وأخذ يركض في اتجاهي .
تسارعت ضربات قلبي المفعم بالأمل ولكنه
مر من تحت ذراعي المفتوحتين له وسرعة اتجه إلى لعبة الطبل الخاصة , ثم بدأ العزف
عليها .
بدأت أغضب , لماذا قال لي الجميع إن
التوحد ليس بالأمر الصعب ؟.
إنه أمر صعب لقد بدأ ريد وكأنه سجين في
عالمه الصغير وددت لو أنني أستطيع نزع المشكلة من داخل جسمه الصغير ضمه إلي .
فيما بعد, كنت أشاهد التلفزيون مع عمتي
وزوجها وفجأة أحسست أن أحدا يمسك يدي ونظرت إلى الأسفل .. كان ريد!!
لقد كان يحدق في شيئ ما بالغرفة وفي
الوقت نفسه كان شارد الذهن ويمسك يدي.
أمسكت يده , ونظرت الى وجهه الذي ينم عن الوحدة
,لم يكن ينظر إلي البتة ولكنه ببساطة حاول إمساك أي شيئ لقد كان يمكنه أن يصل إلى
الكرسي ويمسك به , وعلى الرغم من أنه لم يستطع أن يحبني فقد أحببته .
قد يكون كافيا أن تحب شخصا ما في هذا
العالم الصعب , حتى إن لم يبادلك الحب .
جوليا روز
إيروف (العمر 12 سنة ) من كتاب
The Science and Fiction of Autism –by
Laura Schreibman
عندما قرأت كلمات جوليا شعرت بالحنين إلى أيام من الطفولة حيث كان عمري
7 سنوات وكنت خجولة و
عاطفية ,أحب الأطفال
كثيرا .
قررت والدتي في تلك الصيفية السفر إلى أقارب لها في الريف , سعدت كثيرا بتلك
الفكرة فلقد سمعت القليل عن قريبة أمي
وعن طفليها وكنت متشوقة للتعرف عليهما وتيقنت إنني سأقضي أجازة سعيدة .
بعد سفر ساعات بالسيارة وصلنا إلى القرية
حيث كان اللون الأخضر يغطي مساحاتها الشاسعة وروائح الورود والياسمين تنساب في الأجواء الصافية
....
وصلنا إلى مزرعة كبيرة يتوسطها بيت يشبه بيوت قصص الأطفال , كنت أقف بجوار
والدتي وعيني تلمع شوقا لرؤية قريبة أمي وخاصة طفليها .
بعد ما رحبت بنا أم عبد العزيز
أدخلتنا وقدمت لنا الضيافة ,سألتها والدتي
عن أبنائها فأخبرتها بأن أبنتها سافرت لبيت جدها وأما أبنها فقالت " هو بالغرفة مثل عادته"
؟!! ...
تساءلت حينها لماذا لم يخرج ليرحب بنا ؟؟
أهو مغتر أو لا يحب الضيوف ؟؟....
وبينما كنت أحلل وابحث في الأمر سمعت
صوتا يصدر من غرفة بنهاية الرواق , كان صوتا حزينا ومتكررا شبيها بالأنين " أوه آووه أووووه "
.... تملكني الفضول لمعرفة صوت من كان
؟!!, فاغتنمت انشغال والدتي وقريبتها بالكلام ومشيت في الرواق بخطوات متخوفة لكن
غير مترددة , كان الصوت يعلو أكثر كلما اقتربت إلى الغرفة ....
وصلت للغرفة مددت
يدي لأفتح الباب وكل التخيلات والأفكار تحوم بعقلي .
كان مراهقا في 15 من عمره يجلس
على فرشته مواجها الحائط بانعزال يهتز إلى الإمام والخلف في نغمات منسقة
بين الحركة والصوت لا مثيل لها ......
مشيت نحوه و أنا مدركة انه قريبي (عبد
العزيز), لكن كان فضولي يزداد ورغبتي كبيرة في معرفة ما يزعجه .
"أهلا أنا صوفي ...!! "رددت
عبارتي تلك مرات عديدة دون إن يلتفت لي , توجهت بوجهي نحوه وكررتها مرة أخرى
اعتقادا مني انه يشتكي من ضعف سمع ..
لم يرمش رغم قربي له ولم يتوقف من الاهتزاز
ولا من ترديد الصوت !! .....
وكانت أول مرة أقابل شخص من ذوي التوحد بحياتي ....
حزنت كثيرا عندما جاءت والدته وقالت لي:"
انه لا يعلم من تكونين ولا يمكنه اللعب معك ", وأتذكر إنني من شدة حزني سحبته
من يده وقدمت له دفتر الرسم الذي أبحرت عبره بقلمي وخيالاتي خلال رحلتي للتعرف
عليه ...
وهنا تفا جئت عندما أشرقت ابتسامته ظلمة الغرفة ومسح بكل حنان على يدي
وعلى دفتري دون حتى أن ينظر إلي , وارتسمت ابتسامة باكية بوجهي بحروف خالة أم عبد العزيز وهي تقول: " لقد أحب
هديتك وشعر بوجودك , فهو لا يبتسم إلا نادرا
" ......
وهنا عاهدت نفسي أن اجتهد بدراستي وأتخصص في علم النفس
لأساعد بإذن الله في علاج أطفال التوحد وكل طفل يهديني مثل ابتسامة عبد العزيز
....!!
عبد العزيز رحمك الله وجعلك من أهل الجنة
محبتكم : أ/ صوفيا
المدينة المنورة 15-5-1435 هـ / 16-3-1435 هـ
جميع الحقوق محفوظة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.